القائمة الرئيسية

الصفحات

 بسم الله الرحمن الرحيم


الرد على برنامج "صوماً مقبولاً" للمدعو أندرو حبيب


الرد على الحلقة الثالثة بعنوان "بنحس بالفقراء"





هذا الحاقد المدعو أندرو حبيب ينتقد ويستهزأ بقول (بعض) العلماء أن من حِكمة الصيام أننا (بنحس بالفقراء) وذلك من خلال الإنقطاع عن الطعام والشراب لمدة معينة.. وكأن هذا القول جريمة!!


قبل الرد على هذا الإمعة لابد من التوضيح هنا أن كافة التشريعات والعبادات (وليس الصيام فقط)، الأصل فيها هو الإمتثال لأمر الله وطاعته، سواء علمت الحكمة أم لا.




والرد على هذا الجاهل سيكون في النقاط الآتية:-


أولاً: بيان أن هذا القول ليس قرآناً أو سنة، ولكنه اجتهاد من أهل العلم لبيان حِكم الحق جل وعلا في الصيام، والأصل عندنا هو الإمتثال لأمر الله حتى لو لم نعلم الحكمة.


ثانياً: بيان الحكمة الكبرى من الصوم (وهي التقوى)، وتوضيح المعنى الحقيقي لقول العلماء "أن من حِكم الصيام الشعور بجوع الفقير ومن ثم العطف عليهم".


ثالثاًالمفاجأة لأندرو حبيب وأمثاله أن من غايات الصوم في المسيحية هو "إحساس الصائم بألم الجوع الذي تُعانيه الفقراء"!!

.

.




أولاً: بيان أن هذا القول ليس قرآناً أو سنة، ولكنه اجتهاد من أهل العلم لبيان حِكم الحق جل وعلا في الصيام، والأصل عندنا هو الإمتثال لأمر الله حتى لو لم نعلم الحكمة.




جاء في موقع "الإسلام سؤال وجواب"

الرد على برنامج "صوماً مقبولاً" للمدعو أندرو حبيب - الرد على الحلقة الثالثة بعنوان "بنحس بالفقراء"





































إذن أهل العلم الذين قالوا هذا القول يقصدون الجوع والحرمان نفسه الذي يعاني منه الفقير والمسكين، وليس لشخص الفقير أو المسكين دخل في هذا الأمر، حيث أن الفقير نفسه وجب عليه الصيام كالغني، فالغني يصوم ويحرم نفسه من ألذ أنواع الطعام والشراب والشهوة الذي اعتاد عليهم في حياته؛ إمتثالاً لأمر الله وتحقيقاً لعبوديته للحق جل وعلا.



يقول الإمام محمد متولي الشعراوي -رحمه الله- في خواطره:-


فإذا كان ما بعد {يَآأَيُّهَا الذين آمنوا} أمراً بمطلوب الإيمان، من حكم شرعي، أو عظة أخلاقية. يكون أمرها واقعاً، والمعنى: يا من آمنتم بي إلهاً قادراً حكيماً، ثقوا في كل ما آمركم به لأني لا آمركم بشيء فيه مصلحة لي؛ لأن صفات الكمال لي أزلية، فخلقي لكم لم ينشئ صفة كمال، فإن كلفتكم بشيء، فتكليفي لكم يعود عليكم بالنفع والمصلحة لكم، وضربنا المثل - ولله المثل الأعلى منزّه عن كل مثل - أنت تذهب إلى الطبيب بعد أن تتشاور مع أهلك وزملائك وتكون واثقاً بأن هذا هو الطبيب الذي ينفع في هذه الحالة التي تشكو منها، وساعة تذهب إليه يشخص لك المرض ويكتب لك الدواء، وسواء استخدمت الدواء أم لم تستخدمه فأنت حر وأثر ذلك يعود عليك وعود استعمالك الدواء لن يضر الطبيب شيئاً، بل أنت الذي تضر نفسك، كذلك منهج الله الذي جعله لصلاحية حركة الحياة. إن اتبعته وطبقته تنفع نفسك، وإن تركته فلم تطبقه فسوف تضر نفسك، ولذلك يقول المولى سبحانه وتعالى: {وَقُلِ الحق مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29] .


إذن فالاختيار لك والله سبحانه وتعالى قد خلقك، وخلق الكون الذي يخدمك من قبل أن توجد، وأنت طارىء على هذا الكون، طارىء على الشمس وعلى القمر، وعلى الأرض، وعلى الجبال، وعلى الماء وعلى أي شيء في هذا الوجود. والذي خلق ما سبقك لا بد أن تكون له صفات الكمال المطلق. فهو سبحانه وتعالى قد خلق كل شيء بالحكمة والنظام، وما دامت له سبحانه وتعالى صفات الكمال المطلق المستوعبة، فهو لا يطلب منك بالتكاليف أن تنشىء له صفات كمال جديدة، وهو غني عنك. فإذا اقتنعت بالإيمان فلمصلحتك أنت، ولم يكلفْك إلا بالأحكام التي تصلح من حالك. وحيثية كل حكم هو تصديره ب {يَآأَيُّهَا الذين آمنوا} .


إياك أن تبحث عن علة في الحكم؛ لأنك لو ذهبت إلى الحكم لعلته، لاشتركت مع غير المؤمنين، فالمؤمن - مثلا - حين سمع الأمر باجتناب الخمر، امتثل للحكم لأنه صادر من الله، من بعد ذلك عرف غير المؤمنين - بالتحليل العلمي - أن الخمر ضارة فامتنعوا عنها، فهل امتناعهم هو امتناع إيماني؟ لا.


إذن فإن المؤمن يأخذ الأمر من الله عَزَّ وَجَلَّ لا لعلة الأمر بل لمجرد أنه قد صدر من الله؛ لذلك يمتثل للأمر وينفذه. . فالمسلم يمتثل لأوامر الله ويؤدي العمل الصالح دون بحث أو تساؤل عن علته، فحين يقال - على سبيل المثال - إن من فوائد الصيام أن يذوق الغني ألم الجوع، ويعطف على الفقير، حين أسمع من يقول ذلك أقول له: قولك صحيح لأن فيه لمسة من فهم، لكن ماذا عن صوم الفقير الذي ليس عنده ما يعطيه لغيره، ألا يصوم أيضاً؟ .


إن المؤمن يصوم لأن الأمر جاء من الله بالصيام. ومعظم أحكام الله تأتي مسبوقة بقوله: {يَآأَيُّهَا الذين آمنوا} ، أي: يا من آمنتم بي إلهاً أقبلوا عليّ، فإنكم إن بحثتم عن العلة، ثم نفذتم الحكم لعلته فأنتم غير مؤمنين بالإله الآمر والمشرع، لكنكم مؤمنون بعلة المأمور به، والله يريدك أن ترضخ له فقط، ولذلك يأمرك بأوامر وينهاك بنواهٍ، فأنت - مثلا - حين تحج بيت الله الحرام، تسلم على الحجر الأسود بأمر من الله، وقد تتيح لك الظروف أن تقبِّل هذا الحجر كما فعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وأنت في كل ذلك لا ترضخ للحجر. بل للآمر الأعلى الذي بعث محمداً بحرب على الأصنام وعلى الأحجار، وأنت تتبع رسالة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بمنتهى التسليم والإيمان، وتذهب بعد ذلك لترجم الأحجار التي هي رمز إبليس. وتفعل ذلك تسليماً لأوامر الله تعالى التي بلغتك عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.


وهنا يقول الحق تبارك وتعالى: {يَآأَيُّهَا الذين آمنوا إِذَا لَقِيتُمُ الذين كَفَرُواْ زَحْفاً فَلَا تُوَلُّوهُمُ الأدبار} [الأنفال: 15] .


فما دمت قد آمنت بالإله، لا بد أن تدافع عن منهج الإله؛ لأن هذا أيضاً لمصلحتك؛ لأنك بإيمانك بالله أيها المؤمن ينتفع المجتمع كله بخيرك، ولن يأمرك سبحانه إلا بالخير، فلن تسرق، ولن تزني، ولن تشرب خمراً، ولن تعربد في الناس، ولن ترتشي، وبكل ذلك السلوك ينتفع المجتمع؛ لأن المجتمع يضار حين يوجد به فريق غير مهتدٍ. وأنت حين تقاتل لتفرض الكلمة الإيمانية هلى هؤلاء، فهذا يعود إلى مصلحتك، ولذلك فإن اتصافك بالإيمان لا يتحقق إلا إن عديته لغيرك، ومن حبك لنفسك، أن تعدى الإيمان بالقيم التي عندك إلى غيرك لتنتفع أنت بسلوك من يؤمن، وينتفع غيرك بسلوكك معه، ومن مصلحتك أن يؤمن الجميع.


وحين يكلفك الحق تبارك وتعالى بالجهاد في سبيل الله فأنت تفعل ذلك لصالحك.


{يَآأَيُّهَا الذين آمنوا إِذَا لَقِيتُمُ الذين كَفَرُواْ زَحْفاً} [الأنفال: 15] .


ويقول ايضاً فضيلته-رحمه الله:-


وما دمت قد آمنت بالله تعالى ربّا بمحض اختيارك، فالتزم بالأشياء التي جاء لك بها من آمنت به، وأنت تعلم: أن الإيمان هو علة كل تكليف، وعلى سبيل المثال؛ أنت تصلي خمسة فروض لأن المشرع أمرك بذلك؛ تصلي في الصبح ركعتين، وفي الظهر أربع ركعات، وفي العصر أربع ركعات، وثلاث ركعات في المغرب، وأربع ركعات في العشاء؛ لأن المشرع وهو المولى سبحانه وتعالى أمرك بذلك. وأنت تصوم لأن الله أمرك أن تصوم، فإن أدركت من بعد الصيام أن فيه منافع لك، فهذا موضوع آخر، ومع ذلك تظل علة الصيام أن الله أمرك به، وهكذا تكون علة كل حكم هي الإيمان بمن حكم بهذا الحكم. 


{ياأيها الذين آمَنُواْ لَا تَخُونُواْ الله والرسول} [الأنفال: 27] .


وما الخيانة؟ . إن مادة الخيانة كلها الانتقاص؛ وضده التمام، والكمال، والوفاء. ويقابل كل ذلك الاختيان والغدر. فإذا كان الله يقول لنا: لا تخونوا الله والرسول، فعلينا أن نلتزم؛ لأن التشريع وصلنا من الله بواسطة الرسول، ومن يطع الرسول فقد أطاع الله؛ لأن الله لم يخاطبنا مباشرة، بل خاطب رسولاً اصطفاه من خلقه وأيده بمعجزة. وكل بلاغ وصلنا إنما كان بواسطة الرسول.


ويقول ايضاً:-


المسألة طاعة والتزام للأمر وللنهي؛ لذلك من غير المناسب أن نقول: إن من حكمة الصوم: أنْ يَشعر الغني بألم الجوع، فيعطف على الفقير؛ لأنني سأقول لك إذن: لماذا يصوم الفقير؟


ولتوضيح هذه المسألة ضربنا مثلاً وما زْلنا نكرره. قلنا: إن أعز شيء على المرء صحته، فإنْ أصابته علة، فأول ما يُعمِل عقله يبحث عن الطبيب المتخصص في مرضه فيذهب إليه، ثم يسلم له نفسه ليفحصه، ثم يكتب له الدواء فيأخذه ويتناوله دون أنْ يسأل عن عِلَّته، أو لماذا وصفه الطبيب، لماذا؟


لأن الطبيب مؤتمن بعد أنْ تعلَّم ودرس وتخصَّص، فأنت لا تسأله ولا تناقشه: لماذا كتب لك هذا الدواء، وهو مع ذلك إنسان وعُرْضة للخطأ وللسهو وللنسيان، ومع ذلك لا يناقش. إذن: علة تناول الدواء أن الطبيب وصفه لي، وعلة كل أمر عند الآمر به.


والآمر في العبادات هو الحق - سبحانه وتعالى - فلا يليق بالمؤمن بعد أن آمن بالله وبحكمته وقدرته أنْ يبحث ليعلم الحكمة من كل أمر يأتيه من ربه عَزَّ وَجَلَّ.


ويقول ايضاً:-


لأن فائدة الإيمان أن تعتقد بوجود إله قادر واحد هو الله فتؤمن به، فإذا ما أمرك تطيع، فعِلَّة الإيمان التكليف؛ لذلك حين تبحث أيَّ تكليف إياك أنْ تنظر إلى عِلَّته فتقول: كلفني بكذا لكذا، فعِلَّة التكليف وحكمته عنده تعالى.


فإذا قلنا مثلاً: حكمة الصيام أنْ يشعر الغنيُّ ويذوق ألم الجزع فيعطف على الفقير، فهل يعني هذا أن الفقير المعدَم لا يصوم؟ إذن: ليست هذه حكمة الصيام، والأصوب أنْ تقول: أصوم؛ لأن الله أراد مني أن أصوم، وحكمة الصيام عنده هو.


ومثَّلنا لذلك ولله تعالى المثل الأعلى: أنت حين تشكو مرضاً أو ألماً تسأل عن الطبيب الماهر والمتخصص حتى تنتهي إليه، وعندها تنتهي مهمة عقلك، فتضع نفسك بين يديه يفحصك ويُشخِّص مرضك، ويكتب لك الدواء، فلا تعارضه في شيء، ولا تسأله لماذا كتب هذا الدواء.


فإذا سألك زائر مثلاً: لماذا تأخذ هذا الدواء؟ لا تقول: لأن من خصائصه كذا، ومن تفاعلاته كذا، إنما تقول: لأن الطبيب وصفه لي، مع أن الطبيب بشر قد يخطيء، وقد يكتب لك دواءً، أو يعطيك حقنة ترديك، ومع ذلك تُسلِّم له بما يراه مناسباً لك، فإذا كنت لا تناقش الطبيب وهو خطأ، فكيف تناقش الله فيما فرضه عليك وتطلب علَّة لكل شيء؟


ولا يناقش في عِلَل الأشياء إلا المساوي، فلا يناقش الطبيبَ إلى طبيبٌ مثله، كذلك يجب أنْ نُسلِّم لله تعالى بعلل الأشياء وحكمتها إلى أنْ يوجد مُسَاوٍ له سبحانه يمكن أنْ يناقشه.


والحق سبحانه يُبيِّن لنا عِلَّة الإيمان - لا الإيمان في ذاته - إنما ما يترتب عليه من طاعة أوامر هذا الإله، وعلى طاعة هذه الأوامر الأوامر يترتب صلاح الكون، بدليل أن الله يطلب من المؤمنين أنْ ينشروا الدعوة، وأن يُبلِّغوها، وأن يحاربوا مَنْ يعارضها ويمنعهم من نشرها.


فما شُهر السيف في الإسلام إلا لحماية بلاغ الدعوة، فإنْ تركوك وشأنك فدَعْهم، بدليل أن البلاد التي فتحها الإسلام ظل بها أصحاب ديانات أخرى على دياناتهم، وهذا دليل على أن الإسلام لم يُرغِم أحداً على اعتناقه.


لكن ما دام الإسلام قد فتح البلاد فلا بُدَّ أنْ تكون له الغَلَبة، وأنْ يسير الجميع معه في ظِلِّ منهج الله، فيكون للكافرِ ولغير ذي الدين ما لصاحب الدين.


فكأن الحق سبحانه يريد لقوانينه أنْ تحكم آمنت به أو لم تؤمن؛ لأن صلاح الكون لا يكون إلا بهذه القوانين.


إذن: فأنت حُرٌّ، تؤمن أو لا تؤمن، لكن مطلوب ممَّنْ آمن أنْ يحمي الدعوة في البلاغ، ثم يترك الناس أحراراً، مَنْ آمن فبها ونعمت، ومَنْ أبى نقول له: لك ما لنا، وعليك ما علينا.

.


وقد جاء في «فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر» (9/ 326-328):-


المسلمين مأمورون بأن يتلقوا أحكام الله ويقبلوها ويعملوا بها وإن لم يعرفوا حكمتها مع الإيمان بأن ربنا سبحانه حكيم عليم كما قال عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا}، {إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} هكذا في آيات كثيرات يعلم عباده أنه حكيم فيما يشرع من مواريث ومن صلوات وغير ذلك، كما أنه حكيم فيما يقدره على العباد من مرض أو موت أو غنى أو حرب أو سلم أو غير ذلك، هو الحكيم العليم سبحانه في كل شيء وإن لم يطلعنا على الحكمة في بعض المسائل، وإن لم نعرف الحكمة ولم تتضح لنا فعلينا أن نؤمن بأنه حكيم عليم وإن لم نعرف تلك الحكمة، كما أنه سبحانه شرع الفجر ثنتين، والمغرب ثلاثا، والظهر والعصر والعشاء أربعا، فما هي الحكمة؟ الله أعلم، لماذا جعل المغرب ثلاثا؟ ولماذا جعل الفجر ثنتين، والجمعة ثنتين؟ ولماذا جعل الظهر والعصر والعشاء أربعا؟ ولماذا جعل الصيام في رمضان لا في غيره كالمحرم وكرجب؟ ولماذا جعله شهرا بدون زيادة؟ وقد تظهر الحكمة بعدم الزيادة أنه تخفيف ورحمة من الله لكن كونه جعله في هذا الوقت المعين بين شوال وبين شعبان الله الذي يعلم الحكمة سبحانه وتعالى، كذلك كونه شرع الزكاة في مال دون مال لحكمة بالغة قد تظهر للعباد وقد لا تظهر للعباد، إلى غير ذلك من المسائل التي قد تخفى فيها الحكمة على الناس، لكن يجب الإيمان بأنه حكيم عليم، وهكذا في المخلوقات قد يقول قائل: لماذا خلق الذباب؟ لماذا خلق الخنفساء؟ لماذا خلق العقرب؟ لماذا خلق الحية؟ لماذا خلق أشياء أخرى؟ نقول: إن ربك حكيم عليم هو الخلاق العليم وهو الحكيم العليم لحكمة بالغة خلق هذه الأشياء سبحانه وتعالى، ومن ذلك يعلم أنه على كل شيء قدير، وأنه ما شاء فعل لا راد لقضائه ولا راد لأمره سبحانه وتعالى، فهكذا يقال في بقية الأمور التي تخفى حكمتها ككون المرأة تقطع الصلاة.


ليس هناك داع لمن يريدون إثارة الشبه، نحن عبيد، عبيد مأمورون، علينا أن نمتثل أمر الله، وأن نترك نهيه سبحانه وتعالى لأنه ربنا وإلهنا والمنعم علينا، وخالقنا ورازقنا وهو أعلم بمصالحنا من أنفسنا، فعلينا أن نسلم لأمره ولا نعترض، أرأيت لو كان إنسان عند مالك له من أبناء الدنيا من الناس فقال لمالكه إذا أمره: أنا لا أمتثل حتى تبين لي مقصدك من هذا الأمر. قال له سيده: هات لنا البعير الفلاني، هات لنا الإناء الفلاني، هات لنا الشاة الفلانية، هات لنا البساط الفلاني.


إذا قال المملوك: أنا لا آتي به حتى تعلمني ما هو القصد، ما هي الحكمة. فهل يكون هذا العبد مرضيا عليه؟ وهل يكون هذا العبد أديبا؟ ليس بأديب، ولا مرضي عليه، بل ربما ضربه سيده وربما باعه بأرخص الأثمان؛ لأنه ليس بأديب، فالواجب أن يمتثل لما قاله سيده، وأن يحضر ما طلب منه إلا إذا كان شيئا يضره أو فيه معصية الله، هذا شيء آخر محل بحث لكن في الجملة الخادم والعبد يمتثل ما يستطيعه وما لا يعلم فيه معصية لله سبحانه وتعالى، فلذلك إن العبد أو الخادم لو اعترض يكون سيئ الخلق وسيئ الأدب، فكيف بالعبد مع ربه الخلاق العليم العالم بمصالح العباد، كيف يعترض؟ وكيف يقول؟ يعني بلسان حاله: أنا ما أمتثل حتى أعرف ما هي حكمة الصوم، وما هي حكمة الصلاة، وما هي حكمة مروري أمام كذا، وما هي حكمة طوافي، وما هي حكمة شربي قائما أو قاعدا، إلى غير هذا، لا، من الأدب ومن العبودية ومن القيام بالواجب أن يمتثل وألا يقف عند مراعاة الحكمة.

.



ثانياً: بيان الحكمة الكبرى من الصوم (وهي التقوى)، وتوضيح المعنى الحقيقي لقول العلماء "أن من حِكم الصيام الشعور بجوع الفقير".


جاء في كتاب

الرد على برنامج "صوماً مقبولاً" للمدعو أندرو حبيب - الرد على الحلقة الثالثة بعنوان "بنحس بالفقراء"


الرد على برنامج "صوماً مقبولاً" للمدعو أندرو حبيب - الرد على الحلقة الثالثة بعنوان "بنحس بالفقراء"


الرد على برنامج "صوماً مقبولاً" للمدعو أندرو حبيب - الرد على الحلقة الثالثة بعنوان "بنحس بالفقراء"


الرد على برنامج "صوماً مقبولاً" للمدعو أندرو حبيب - الرد على الحلقة الثالثة بعنوان "بنحس بالفقراء"

.



وقد جاء في «جلسات رمضانية للعثيمين» (2/ 2):


الحكمة من الصوم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم.


وبعد: فإننا في هذه الجلسة سنتحدث -إن شاء الله- عن الصيام وما يتعلق به من أحكام وذلك للأهمية؛ لأن كثيراً من الناس يجهل حكمة الصوم ويجهل كثيراً من مسائله، فنبدأ أولاً بذكر حكمة الصوم.


ما هي الحكمة من أن الله عز وجل فرض على عباده الصوم بل جعله أحد أركان الإسلام التي لا يقوم الإسلام إلا بها، مع أن فيه تعباً على الجسم وعلى النفس، يتجنب الإنسان فيه مشتهياته من الأكل والشرب والنكاح، ويلحقه من الضعف، ضعف النفس، وضعف البدن، ولا سيما في الأيام الطويلة الحارة، ما يجعله أو ما يلحقه المشقة؟ فنقول جواباً على هذا


السؤال

يجب أن نعلم قبل كل شيء أن الله سبحانه وتعالى من أسمائه الحكيم، وقد تكرر في القرآن كثيراً، والحكيم هو ذو الحكمة الذي يضع الأشياء في مواضعها {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} وبناءً على هذه العقيدة التي يجب أن يعتقدها كل مسلم، وهي أن الله عز وجل له الحكمة في شرعه وقدره، بناءً على ذلك يرضى المسلم ويسلم بشرع الله عز وجل، كما يرضى ويسلم بقضاء الله وقدره، قال الله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن:11] قال علقمة -أحد أصحاب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه-: هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلِّم، ولما سئلت عائشة رضي الله عنها: [ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ قالت: كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة] .


فوظيفة المسلم الإيمان بقضاء الله وقدره، والإيمان بشرع الله وحكمه، فنقول: إن الله لم يشرع الصيام إلا لحكمٍ عظيمة، أهمها وأجلها وأعظمها: التقوى.


تقوى الله عز وجل، لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] هذه الحكمة، من أجل تقوى الله عز وجل، حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للصائم: (إذا سابه أحد أو شاتمه فليقل: إني صائم) أي: لا يسبه ويرد عليه بالمثل، ليقل: إني امرؤ صائم، والصائم لا يسب ولا يشتم ولا يصخب، بل عنده الطمأنينة والوقار والسكينة، وتجنب المحرمات والأقوال البذيئة؛ لأن الصوم جنة، يتقي به الإنسان محارم الله ويتقي به النار يوم القيامة، هذه أعظم حكم الصيام.


ومن حكم الصيام: تعويد الإنسان على المشقة، على تحمل المشقات والتعب، لأن الترف والنعيم وتيسر الأكل والشرب لن يدوم، فيعوِّد الإنسان نفسه على تحمل المشاق.


ومن حكم الصوم كسر حدة النفس؛ لأن النفس إذا كمل لها نعيمها، من أكل وشرب ونكاح، حملها ذلك على الأشر والبطر ونسيان الغير، وأصبح الإنسان كالبهيمة ليس له هم إلا بطنه وفرجه، فإذا كبح جماح نفسه وعودها على تحمل المشاق، وتحمل الجوع، وتحمل الظمأ، وتحمل اجتناب النكاح، صار في هذا تربية عظيمة لها.


ومن حكم الصوم: أن الإنسان يذكر به نعمة الله عز وجل، بماذا؟ بتيسير الأكل والشرب والنكاح، لأن الإنسان لا يعرف الشيء إلا بضده، كما قيل: وبضدها تتبين الأشياء.


الإنسان لا يدري قدر النعمة إلا إذا فقدها، وانظر الآن مثالاً قريباً: لو أن النفس حبس، أي: صار الإنسان لا يستطيع أن يتنفس لوجد المشقة العظيمة، مع أننا نتنفس ونحن نتكلم، نتنفس ونحن نأكل، نتنفس ونحن نشرب، نتنفس ونحن في اليقظة، نتنفس ونحن في المنام، ولا نشعر بهذه النعمة العظيمة.


وكم مرة يتنفس الإنسان في الدقيقة في الساعة في اليوم في الشهر في السنة، ولا تعرف هذه النعمة، أو لا تعرف قدر هذه النعمة إلا إذا فقدتها، ولهذا إذا أصيب الإنسان بضيق النفس يجد الحرج العظيم، نسأل الله لنا ولكم العافية، لا يلتذ لا بنوم ولا بأكل ولا بشرب ولا بمخاطبة أحد، إذاً إذا صمت وامتنعت عن الأكل والشرب والنكاح عرفت قدر نعمة الله عليك بالأكل والشرب والنكاح، ففيه تذكر نعمة الله.


ومن حكمة الله عز وجل في إيجاب الصوم: أن يذكر الإنسان إخوة له مصابين بالجوع والعطش وفقد النكاح، فيرحمهم ويحنو عليهم ويعطيهم مما أعطاه الله عز وجل، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، ينفق ويجود عليه الصلاة والسلام.


وهذه الذكرى -أي: ذكرى إخوانك المعوزين- تحملك على أن تتصدق عليهم، وأن تتبرع لهم، وأن تحسن إليهم، والحكم كثيرة في الصوم، لكن كثير من الناس اليوم نجد يوم صومهم ويوم فطرهم سواء، لا تجد عند الإنسان سكينة الصوم ولا الوقار ولا تجنب السب والشتم والكذب والخيانة أبداً، يوم فطره ويوم صومه سواء عنده، وهذا نقص عظيم في الصوم.


أما ما يصام عنه من الأمور الحسية، يعني: نحن الآن ذكرنا حكمة الصوم.

.



وجاء في «مجلة البحوث الإسلامية» (34/ 204-207):


رابعا: حكم الصيام:


قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (1).


معنى ذلك أن الصيام كفرض يهيئ النفوس للخير والبر، ويورث خشية الله، ويوقظ الضمائر، ويقوي الإرادة، ويعود المسلم الصبر والاحتمال " وبقدر ما تقوى الإرادة، يضعف سلطان العادة " حيث يتم هجر كثير من العادات السيئة. هذا من الناحية النفسية. وأما من الناحية الخلقية فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «. . . الصيام جنة (2)». . . رواه أبو هريرة وأخرجه البخاري ومسلم في الصوم أي أنه يقي المسلم من المنكرات والشرور، ويأخذ النفس بالفضائل، فتزكو وتطهر، فلا تقول زورا، ولا تعمل به. قال صلى الله عليه وسلم: «من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه (3)».


ومن حكم الصيام الاجتماعية، أنه مظهر فريد من مظاهر المساواة المطلقة بين الأغنياء والفقراء في الحرمان، كما أنه يفجر ينابيع الرحمة والعطف في النفوس والقلوب، فيولد الفرد المهذب، والمجتمع الفاضل، الذي يسمو بالأمة ويرفعها في سلم المجد.


وتتجلى حكمة الصوم كذلك في أنه مجال لإظهار المسلم إرادته العازمة على الامتثال لأحكام الله، والجازمة على عدم مخالفة شرع ارتضاه، والمصرة على أن تتصل بالله اتصال طاعة وانقياد، وبعد عن كافة ضرورات الجسد طمعا في حسنات الله، وإيثارا لما عنده، ورغبة في تحصيل فوائد الصوم المعنوية

_________

(1) سورة البقرة الآية 183

(2) صحيح البخاري الصوم (1904)، صحيح مسلم الصيام (1151)، سنن الترمذي الصوم (764)، سنن النسائي الصيام (2216)، سنن أبو داود الصوم (2363).

(3) رواه البخاري، وأحمد وأبو داود والترمذي كذا في الجامع الصغير، وزاد في الكبير رمز ابن ماجة وابن حبان.


والحسية التي قد تظهر وقد لا تظهر، فإن ظهرت كان الاطمئنان لها أداة للاندفاع مع تيار الإيمان، وإن خفيت ظلت النفس واثقة من أن الديان قد أعد للإنسان ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فتتهيأ النفس به للكمال الإيماني، وتستجيب معه للهدي الإلهي.


إن من الغايات الكبرى للصيام بلوغ درجة التقوى " فالتقوى هي التي تستيقظ في القلوب وهي تؤدي، هذه الفريضة طاعة لله وإيثارا لرضاه. والتقوى هي التي تحرس هذه القلوب من إفساد الصوم بالمعصية، ولو تلك التي تهجس في البال، والخاطبون بهذا القرآن يعلمون مقام التقوى عند الله " (1) ووزنها في مجالا التكليف، إنها غاية المؤمنين، والصوم هو أهم مدارج الوصول إليها، لذا يتجه المسلمون لتحقيق هذه الغاية وهم معتمدون على ضمائرهم، فلا رقابة لأحد عليهم، وإنما توجد الرقابة في أعماقهم، فتمنعهم عن مخالفة أوامر الله، لأنه ملأ أعماقهم، وصارت مهابته هي الرقيب الوحيد عليهم، ولذا فإن المسلم لا يتكلم بفاحش الكلام، أي لا يرفث، وإذا سبه أحد قال إني صائم، وإذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي ربه فرح أعظم الفرح بصومه الذي كان صادقا في إتيانه، ففي رواية لمسلم «. . . . للصائم فرحتان: فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه ولخلوف فيه أطيب عند الله من ريح المسك (2)»، على ما هو ثابت في الحديث القدسي عن رب العزة والجلال الذي قال: «كل عمل

_________

(1) سيد قطب، في ظلال القرآن، دار الشروق، ج 3، ط 1990م، ص 168.

(2) صحيح البخاري الصوم (1904)، صحيح مسلم الصيام (1151)، سنن النسائي الصيام (2215)، سنن ابن ماجه الصيام (1638)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 477)، موطأ مالك كتاب الصيام (690)، سنن الدارمي الصوم (1770).


ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به (1)» فلا غرو أن تتحقق التقوى من خلال الصوم مما له من هذه المكانة عند رب العرش الكريم.


ولكي يصل المسلم بالصوم من مرتبة التقوى، فإنه يجتهد في طلب غفران الله لذا يجتهد في أن يكون صيامه على نحو ما أراده الله تعالى. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر (2)» متفق عليه.


وهكذا تتجلى أهم حكم الصيام في التقوى، وكما قرر علماء الشريعة الغراء ومنهم الشيخ عبد الرحمن السعدي، فإن التقوى "اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من المحبوبات وترك المنهيات؛ فالصيام الطريق الأعظم للوصول إلى هذه الغاية التي هي غاية سعادة العبد في دينه ودنياه وآخرته، فالصائم يتقرب إلى الله بترك المشتهيات تقديما لمحبته على محبة النفس ولهذا اختصه الله من بين الأعمال، حيث أضافه إلى نفسه في الحديث الصحيح، وهو من أصول التقوى، إذ الإسلام لا يتم بدونه، وفيه من زيادة الإيمان وحصول الصبر والتمرن على المشقات المقربة إلى رب السماوات، وأنه سبب لكثرة الحسنات من صلاة وقراءة وذكر وصدقة وما يحقق التقوى،، فيه من ردع الأنفس عن الأمور المحرمة من الأفعال المحرمة والكلام المحرم ما هو عماد التقوى" (3).


والصوم يحقق مصالح العباد، ويؤكد المنافع لهم والفوائد لعامهم وخاصهم، إنه تحصيل للخيرات، ومدرسة إيمانية عظيمة من أجل التنافس للحصول على الأجر المضاعف ولذا شرعه الله تعالى لنا كما كتبه على من قبلنا، غير أنه في

_________

(1) صحيح البخاري اللباس (5927)، صحيح مسلم الصيام (1151)، سنن الترمذي الصوم (764)، سنن النسائي الصيام (2216)، سنن ابن ماجه الصيام (1638)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 273).

(2) وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما من عبد يصوم يوما في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا ".

(3) الشيخ عبد الرحمن السعدي، الإرشاد إلى معرفة الأحكام، 1400هـ مكتبة المعارف، ص 82 - 83.


الشريعة الإسلامية الناسخة لما قبلها من شرائع يؤكد المساواة بين الأغنياء والفقراء، حيث يتعاطف الغني مع الفقير بإحساس الألم الواحد، ولا يتنازع معه من خلال الرغبات المتعددة، وحيث يضعف سلطان العادة، ويصمد الناس أمامها بما أمدهم الله به من قوة الإرادة، التي تسعى إلى تعميم فضيلة الخير من خلال الصيام، وهو خير إيجابي مشترك، دون أن يكون مقصوده الأصلي أو حكمته الأساسية هي "الحرمان والألم " (1) بل الصبر والعطاء، واستلهام التقوى كخير وجاء.

_________

(1) د. محمد عبد الله دراز، دستور الأخلاق في القرآن، ط 6 مؤسسة الرسالة 1405هـ، ص 646.

.



وجاء في «نداء الريان في فقه الصوم وفضل رمضان» (1/ 174، 175):


ولو أنهم تدَبروُا حكمة الصوم في الإسلام، لرأوا هذا الشهر نظاما عمليّا من أقوى وأبدع الأنظمة الصحيحة: فهذا الصومُ فَقر إجباريّ تَفرضه الشريعةُ على الناس فرضاً ليتساوَى الجميع في بواطنهم، سواء منهم من مَلَك المليونَ من الدنانير، ومن ملك القرش الواحد، ومن لم يملك شيئاً؛ كما يتساوى الناسُ جميعا في ذهاب كبريائهم الإنساني بالصلاة التي يفرضُها الإسلام على كل مسلم؛ وفي ذهاب تَفاوُتِهم الاجتماعي بالحج الذي يفرضُه على من استطاع.


فقرُ إجباريٌ يراد به إشعار النفس الإنسانية بطريقة عملية واضحة كل الوضوح، أن الحياة الصحيحة وراء الحياة لا فيها، وأنها إنما تكون على أتمها حين يتساوى الناس في الشعور لا حين يختلفون، وحين يتعاطفون بإحساس الألم الواحد لا حين يتنازعون بإحساس الأهواء المتعددة.


ولو حققت رأيت الناس لا يختلفون في الإنسانية بعقولهم، ولا بأنسابهم، ولا بمراتبهم، ولا بما ملكوا؛ وإنما يختلفون ببطونهم وإحكام هذه البطون على العقل والعاطفة؛ فمن البطن نكبةُ الإنسانية، وهو العقلُ العملي على الأرض؛ وإذا اختلف البطنُ والدماغُ في ضرورةٍ، مد البطنُ مدَّهُ من قَوَى الهضم فلم يبقِ ولم يَذَر.


ومن ههنا يتناولُه الصوم بالتهذيب والتأديب والتدريب، ويجعل الناس فيه سواء: ليس لجميعهم إلا شعورٌ واحد وحس واحد وطبيعة واحدة؛ ويُحكم الأمر فيحولُ بين هذا البطن وبين المادة، ويبالغ في إحكامه فيمسك حواشيه العصبية في الجسم كله يمنعُها تغذيتها ولذتها.


وبهذا يضَعُ الإنسانيةَ كلَّها في حالة نفسية واحدة تَتَلبسُ بها النفس في مشارق الأرض ومغاربها، ويُطلق في هذه الإنسانية كلها صوت الروح يُعلم الرحمة ويدعو إليها، فيُشبعُ فيها بهذا الجوعِ فكرة معينة هي كل ما في مذهب الاشتراكية (1) من الحق، وهي تلك الفكرةُ التي يكون عنها مساواة الغني للفقير من طبيعته، واطمئنان

_________

(1) ليس فيها أي حق.


الفقير إلى الغني بطبيعته؛ ومن هذين: (الاطمئنان والمساواة) ، يكون هدوءُ الحياة بهدوء النفسين اللتين هما السلبُ والإيجابُ في هذا الاجتماع الإنساني؛ وإذا أنت نزعتَ هذه الفكرة من الاشتراكية بقى هذا المذهبُ كلُّه عَبثاً من العَبث في محاولة جعلِ التاريخ الإنساني تاريخاً لا طبيعة له.


من قواعد النفس أن الرحمة تنشأ عن الألم، وهذا بعضُ السر الاجتماعي العظيم في الصوم، إذ يبالغ أشدَ المبالغة، ويدقق كلَّ التدقيق، في منع الغذاء وشبه الغذاء عن البطن وحواشيه مدةً آخرها آخر الطاقة؛ فهذه طريقةٌ عملية لتربية الرحمة في النفس، ولا طريقة غيرُها إلا النكباتُ والكوارث؟ فهما طريقتان كما ترى مُبصرةٌ وعمياء، وخاصةٌ وعامة، وعلى نظام وعلى فجأة.


ومتى تحققت رحمةُ الجائع الغني للجائع الفقير، أصبح للكلمة الإنسانية الداخلية سلطانُها النافذ، وحكم الوازع النفسي على المادة؛ فيسمع الغني في ضميره صوت الفقير يقول: "أعطي" ثم لا يسمع منه طلباً من الرجاء، بل طلباً من الأمر لا مفر من تلبيته والاستجابة لمعانيه، كما يُواسي المبتلى من كان في مثل بلائه.

.



وجاء في «دروس للشيخ مصطفى العدوي» (15/ 8)


الحكمة من الصيام هي التقوى


قوله تعالى: {كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183]، أي: لعل التقوى تحدث لكم، وهذه هي حكمة الصيام، وكيف تحدث التقوى بالصيام؟ أورد العلماء ثلاثة أمور بها تحدث التقوى: الأمر الأول: قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم)، فكلما كان جريان الدم سريعاً كلما كان حركة الشيطان أسرع وأوسع، فمن ثم إذا أكلت كثيراً تحرك فيك الشيطان كثيراً، ولذلك ذكر العلماء في أبواب الحروز من الشيطان ترك الفضول في كل شيء، فالفضول في الطعام يحرك الشيطان تحريكاً أقوى، ويحرك الشهوة كذلك، ومن ثم ورد في بعض الأخبار: (فضيقوا عليه مجاريه بالجوع)، فالجوع يقلل عمل الشيطان لتقليله لجريان الدم، هذا شيء.


الأمر الثاني: أن الصيام على وجه الخصوص أقوى عبادة تقوي مراقبة العبد لربه سبحانه وتعالى، فالمراقبة لله سبحانه في الصيام أكثر منها في غير الصيام.


الأمر الثالث: أن هذا الصيام يشعرك بأحوال الضعفاء والمساكين، وذلك إذا جُعت أحسست بجوع الجائعين وعطش العطشى، فيحملك هذا على تقوى الله وإعطاء هؤلاء، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاءً).

.



وجاء في «دروس للشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي» (31/ 38):


الركن الرابع للإسلام: صيام رمضان


ثم بعد هذا يأتي الركن الرابع وهو صيام شهر رمضان.


وهذا الصيام حكم مشروعيته كثيرة متعددة، ومنها التشبه بالملائكة الكرام الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون، فليست لهم ساعة للأكل ولا ساعة للشرب، ولا ساعة للنوم ولا ساعة للراحة، يسبحون الليل والنهار لا يفترون، ونحن ننافسهم ونسعى للتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بما يتقربون به إليه.


فمن هنا شرع الله لنا الصيام وأثاب عليه بالثواب الجزيل الذي يقارن عمل من مضى بل يزيد على ذلك، فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مقارنة هذه الأمة والأمتين السابقتين -اليهود والنصارى- كرجل دعا من يعمل له إلى نصف النهار على قيراط واحد، فعمل اليهود إلى نصف النهار -إلى صلاة الظهر-، وهذا العمل الطويل نالوا عليه قيراطاً واحداً، ثم دعا من يعمل له من الظهر إلى العصر على قيراط، فعمل النصارى مابين الظهر والعصر واستحقوا قيراطاً واحداً، ثم دعا من يعمل له من العصر إلى غروب الشمس على قيراطين فجاءت هذه الأمة، فغضب اليهود النصارى لأن الأجر قد ضوعف، فأخبرهم ربنا سبحانه وتعالى أن هذا فضله يختص به من يشاء.


فهذه الأمة شرفها الله تعالى بتضعيف الحسنات وبعدم تضعيف السيئات، ومن هنا فإنه: (من صام رمضان وأتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر كله)؛ لأن رمضان في الغالب ثلاثون يوماً، والستة أيام عليها تكون ستة وثلاثين يوماً، وإذا ضربتها في عشرة -لأن الحسنة بعشر أمثالها- تكون ثلاثمائة وستين يوماً، وهي عدد أيام السنة، وبذلك يكون الإنسان كأنما صام السنة بكاملها.


ومن حكمة الصيام كذلك أن يحس الأغنياء بمرارة الحرمان، فُيرحَم الفقراء، ولهذا يقول الشاعر: لعمري لقد عضني الجوع عضةً فآليت أن لا أمنع الدهر جائعاً وكذلك فإن من حكم هذا الصيام أنه مخفف لشهوات النفوس كابح لها مضيق للعروق على الشيطان، فالشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فإذا ضيق عليه العروق بالصيام انشغل عنه، وقد أعاننا الله في رمضان بتصفيد المردة وبفتح أبواب الجنة وإيصاد أبواب النار، وبتنزل الرحمات، وجعله شهر عبادة، وجعل فيه ليلة هي ليلة القدر خير من ألف شهر يزداد بها عمر الإنسان بثلاث وثمانين سنة وزيادة؛ لأن فائدة العمر التقرب إلى الله سبحانه وتعالى وعبادته، والذي يقوم هذه الليلة في السنة يزداد عمره على الأقل بثلاث وثمانين سنة وبضعة أشهر، فيكون كأنما عاش هذه الفترة بليلة واحدة.


وكذلك فيه العشر الأواخر التي هي أفضله، وقد شرع الله سبحانه وتعالى صيامه وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم قيامه، ورتب على ذلك مغفرة الذنوب، فقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)، وفيهما عنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)، وفيهما عنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه سلم قال: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه).


وكذلك فهو شهر الجود والبذل، فقد أخرج البخاري في الصحيح من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: (كان رسول الله صلى الله عليه سلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، وكان يلقاه في كل ليلة من ليالي رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة).

.



وجاء في «دروس للشيخ سعيد بن مسفر» (28/ 9) بتصرف يسير:


الحكم الأخرى من فرضية الصيام


ومن ضمن الحكم التي شرعها الله عز وجل في حكمة الصيام التي يذكرها العلماء في كتبهم: أن يشعر الإنسان بـ (لذعة) الجوع أثناء رمضان، فيحس ويدرك أن هناك فقراء من المسلمين يشعرون بهذه الـ (لذعة) وهذه الحرارة من الجوع على سائر أيام العام، هناك فقراء في العالم الإسلامي رمضان عندهم ليس شهراً واحداً، بل هو عندهم سنة كاملة، لا يعرفون كيف يأكلون، وقد رأيتم فيما عرض عليكم في الذين اجتاحتهم المجاعة في أفريقيا من المسلمين المساكين لما قدمت لهم الأطعمة ما استطاعوا أن يأكلوها، أحدهم ليس متعوداً أن يأكل هذا الطعام، وهناك أناس يعيشون طوال العام على الفقر، ويعانون من آلام الجوع طول الزمان، فالله عز وجل أذاقك هذه الحرارة وهذه الـ (لذعة) من أجل أن تواسي إخوانك المسلمين بجزء من مالك، وتتعرف على الفقراء، وتعطيهم حتى يعطيك الله عز وجل يوم القيامة.


من ضمن الحكم: أن يستعلي الإنسان على شهواته وعاداته، فيبرهن بقوة إيمانه أنه أكبر من الشهوات وأكبر من العادات، أنا متعود أن أتغدى كل يوم لكن الله أمرني بالصيام، إذاً لا أفطر، أنا كنت أغضب لأتفه الأسباب وكنت عصبي المزاج وحاد التصرف؛ لكن إذا كنت صائماً فلو ضربني الناس فسأقول: اللهم إني صائم، ولهذا جاء في الحديث: (فإن سابه أحد فليقل: إني صائم) يقول: أنا فوق، أنا لست في درجتك يا من تسبني! يا من تستثيرني! يا من تريد أن تسحب لساني فأقع معك في معصية تفسد عليَّ صومي، أو تنقص عليَّ أجري أنا صائم، ولذا فسب، واعمل ما شئت، قل ما تشاء، أنا لا أنزل إلى مستواك أنا صائم.


هذا انتصار على النفس، هيمنة وسيطرة وقوة على النفس البشرية.


ومن ضمن الحكم أيضاً: حفظ الصحة للعبد، وفي الحديث وهو في السنن: (صوموا تصحوا)[هذه الرواية فيها نظر] والعلماء الآن يقولون: إن في الغرب - أمريكا وأوروبا - العلاج الآن بدأ بأسلوب جديد من الأساليب الحديثة هو أسلوب العلاج بالصوم؛ لأن المعدة والجهاز الهضمي على مدار العام يحصل لديه تعب من كثرة ما يتناول الإنسان فيه من الأكل، ويحتاج إلى إجازة، كما أن الموظف عندنا الآن يحتاج إلى إجازة سنوية، فكل سنة يأخذ له شهراً يرتاح فيه من أتعاب العمل ومشاكل العمل، ويأخذ أهله وزوجته وأولاده ويذهب إلى مكة، أو يذهب إلى أهله في القرية من أجل أن يجدد نشاطه ويعود إلى العمل بنفسية منفتحة، وبقلب مشرق، وبأداء متميز لماذا؟ لأن الإنسان يتعب من الدوام المتكرر كل يوم، فيعطونه في أنظمة العمل وفي أنظمة الموظفين شهراً إجازة، ولله المثل الأعلى.


هذه المعدة عبر توالي الشهور والأيام عليها وهي تشتغل في الصباح وفي الظهر وفي المساء، فلا بد لها من إجازة، فأعطى الله للمسلمين شهراً من أجل أن يعطوا راحة لهذه المعدة من كثرة الطعام.

.



وجاء في «شعاع من المحراب» (2/ 236):


شهر الصيام جدير بتذكيرنا بهذه المعاني وأكثر لمن تأمل وتدبر، أما الذين ينتهي تفكيرهم في الصيام عند الإمساك عند الفجر، والإفطار عند تحقق الغروب، دون إحساس بالحكمة والسر العظيم من وراء ذلك، فما فقه هؤلاء حكمة الصيام، وما بالله حاجة أن يدع المرء طعامه وشرابه دون أن يورثه ذلك تقوى، تدعوه لفعل الخيرات، وتنأى به عن المحرمات، وتهذب نفسه، وترقق مشاعره، وتخفف من حدة الشح أو البخل المصاحبة للنفوس في غياب التقوى.

.



وجاء في «صيد الأفكار في الأدب والأخلاق والحكم والأمثال» (2/ 464-470) بتصرف يسير:


وقال ابن الرومي:

شهرُ الصَّيام مباركٌ لكنّما ... جُعلتْ لنا بركاتُه في طولهِ

منْ كان يألفهُ فكيف خروجُهُ ... عني بجدع الأنف قبلَ دخولهِ

إني ليعجبني تمامُ هلالهِ ... وأسرُّ بعد تمامِه بنحولهِ

شهرٌ يصدُّ المرءَ عن مشروبهِ ... مما يحلُّ له ومِنْ مأكولهِ

لا أستثيبُ على قبولِ صيامِهِ ... حسبي تصرُّمه ثوابَ قبولهِ


اما ابن الصباغ الجذامي فهو يقول:

هذا هلال الصوم من رمضان ... بالأفق بان فلا تكن بالواني

وافاك ضيفا فالتزم تعظيمه ... واجعل قراه قراءة القرآنِ

صمه وصنه واغتنم أيامه ... واجبر ذما الضعفاء بالإحسان

واغسل به خطّ الخطايا جاهدا ... بهمول وابل دمعك الهتّان

لا غرو أن الدمع يمحو جريه ... بالخدّ سكبا ما جناه الجاني

للَه قوم أخلصوا فخلّصوا ... من آفة الخسران والخذلان


بالصيام تكتسب ملكة التقوى

الصيام يبعث على الايمان الصادق, ويرقق القلب, ويصفي النفس, ويعين على خشية الله تعالى؛ ولذا استعان به الانبياء في تحقيق مآربهم, والاولياء في تهذيب نفوسهم, والخاصة في شفاء قلوبهم, والعامة في شفاء جسومهم, وفي قوله تعالى (لعلكم تتقون) اشعار بان حكمة الصيام: التمرن على تقوى الله تعالى؛ لانه جل شأنه لم يقل: لعلكم تألمون, او لعلكم تصحون. فالصيام اذا: اختبار روحي, وتجربة خلقية لاكتساب ملكة التقوى, والتقوى: هي الهدف الاسمئ؛ الذي ان أصبته جاءتك كل الثمرات راغمة, وان اخطأته فقد اضعت عملك كله سدى, وخرجت من دنياك بغير نصيب في الاخرة والعياذ بالله. فاذا وصل العبد الى مرتبة التقوى دانت له الدنيا والاخرة, وصار على جوارحه سيدا مطاعا, واصبح جديرا في الاستخلاف في الارض والتمكين له فيها! وقديما قيل: " التقوى هي العدة الوافية والجنة الواقية" قال الشاعر:

وما لبس الإنسان ابهى من التقى ... وان هو غالى في حسان الملابس (1)

________

(1) - هذا البيت لابي العلاء المعري. 


وقال اخر:

لاشيء اعلى من التقوى وصحبتها ... ان التقي عزيز حيث ما كان


وقد يقول قائل: ولم كانت التقوى نتيجة من نتائج الصيام دون سائر العبادات؟ والجواب على ذلك: هو ان الصيام ليس كشائر العبادات؛ لأن العبادات لها جوانب شتى تحببها ففي الصلاة مثلا: حلاوة المناجاة, وسعادة القرب من حضرة الرب! وفي الزكاة: اطاعة لاريحية الكرم والجود, وفي الجهاد: عزة الحمية, واباء الضيم, اما الصيام: فليس فيه معاونة من الطبع على ادائه؛ بل فيه على العكس: مقاومة ومعاندته, لذا كان اقرب الاعمال الى خلوص النية من الشوائب؛ ومن اجل ذلك قال المولى سبحانه في الحديث القدسي: (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ الا الصيام فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ) (1)


فوائد الصوم

ان للصوم منافع جمة وفوائد عظيمة من الناحيتين الاجتماعية والفردية, منها: العطف على المساكين واكرامهم, لان الصائم عندما يجوع يتذكر من هذا حاله في عموم الاوقات فيحمله هذا التذكر على رحمة المساكين ومحبتهم والعطف عليهم, فالرحمة تنشؤ في الغالب الأعم عن التذكر والألم, والصيام طريقة عملية لتربية الرحمة في النفس, وتنمية المحبة والؤلفة والتعاطف, ومتى تحققت رحمة الغني للفقير الجائع وعطفه عليه واكرامه نشأت المحبة وحدثت الؤلفة, واصبحت للكلمة الانسانية الداخليه سلطانها النافذ, فبتوحد الاحاسيس والمشاعر تتوحد الانسانية, وتتجه الى الفضيلة, والصوم يبعث في النفس الإيثار والكرم ومحبة اطعام الطعام واكرام الفقراء والاحسان الى الاخوان, وقد روي ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (كان أَجْوَدَ النَّاسِ وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ) (5) ومن فوائد الصوم: المساواة بين الاغنياء والفقراء, فهو نظام عملي من اقوى وابدع الانظمة والمبادئ التي جعلها الحق سبحانه وتعالى فريضة اجبارية ليتساوى

_________

(1) - البخاري في صحيحه حديث رقم (1771) .

(4) - مسلم في صحيحه حديث رقم (2486) .

(5) - البخاري في صحيحه حديث رقم (5) .

_________


الجميع في بواطنهم, فهي بمثابة فقر اجباري يراد به اشعار النفس الانسانيه بتساوي الجميع في عبادة الصوم لله وحده, فالجميع يمتنع عن الاكل والشرب والجماع ولغو الحديث, والوحدة الحقيقية هي تلك التي تتم حين يتساوى الناس بالشعور, لا حين يختلفون, وحين يتعاطفون باحساس الألم الواحد لاحين يتنازعون بالرغبات المتعددة, ان هذا المظهر السامي في الصوم ينير طريق المسلم ويجعل الأمة اكثر تماسكا واكثر اشراقا واعظم نورا ان ادركت القلوب معنى تلك العبادة العظيمة. ومن هنا ندرك ان الإسلام بفرضه هذه العبادة يؤسس لاجتماع المسلمين ولقيام وحدتهم التي تقوم على رابطة وحدة الدين والعقيدة ووحدة المبادئ الخلقية والعبادات التي تشعر بوحدة المسلمين واتحاد الموحدين, فقيام المجتمع الاسلامي على مبادئ الفضيلة والاخلاق هو امثل الطرق لتكوين الجماعات الدولية, ولا يعد الاجتماع العنصري او الاقتصادي امثل المجتمعات لتكوين الامم, وذلك لأن الجماعة الواحدة لاتتكون منها امة الا اذا اتحدت المشاعر والاهواء والمنازع النفسية, ولاتتكون هذه المشاعر تحت سلطان تبادل المنافع فقط, وذلك لأن تبادل المنافع يكون عند قيامها, ويزول عند زوالها ولاتتحد النفوس في هذا الظل العارض الذي يتغير بتغير الأحوال والازمان, ولم يعرف ان امة تكونت من مجرد التبادل الاقتصادي او الاشتراك في المنفعة المادية واستمرت وحدتها قائمة وان وجد مايشعر بمثل ذلك في فترات وجيزة, فهو غير قائم على عرى وثيقة بل انه يزول وان استمر الى حين. وبالموازنة بين تكوين الامم واتحادها على اساس عنصري وتكوينها وتوحدها بالدين يتبين ان السير بالانسانية في مدارج الرقي, وقيام العلائق البشرية على اساس من المودة والفضيلة انما يكون تحت ظل الدين لاتحت ظل العنصرية, لان العنصرية تفرض دائما تفضيل عنصر على عنصر, وهي شكل من اشكال التجمع الحيواني, اذ تجتمع فصيلة من الفصائل لتقاتل أخرى, وتصيطر على مكان تقيم فيه لتغالب الاخرين وتنهب ثرواتهم , فليس التجمع الانساني على اساس العنصرية الا بقية من بقايا الحيوانية المتناحرة في الإنسان. اما الاجتماع باسم الإسلام فهو اجتماع لايقوم على المغالبة, بل على الاخوة العامة والمودة الراحمة التي يحث عليها الدين القويم فتتحد فيها المشاعر نحو الفضيلة والمثل العليا التي تنزع بالروح الانساني نحو الملكوت الأعلى, ويخضع فيها الإنسان لخالق الاكوان وحده. ومن فوائد الصوم ايضا: اضعاف سلطان العادة, فقد بلغ ببعض الافراد الى حد الاستعباد, فاذا تاخر عنهم الطعام عن موعده فاصابهم الجوع ساءت اخلاقهم, وقد يكون سلطان المكيفات من القهوة والشاي والتدخين اشد من سلطان الطعام على اهله, ففرض الله الصيام ليكون فيه تلطيفا وتخفيفا لهذا السلطان الجامح, ومن فوائد الصوم: اضعاف سلطان الاسترسال في الملذات وتخفيف الشره والثبات على المكاره وتعويد النفس الصبر والقرب من الله سبحانه وتعالى واخلاص العبادة له, ومن فوائد الصوم: انه يقي الشخص ان يكون حيوانا يعمل بشريعة الغاب, ويقي المجتمع بتهيئة الفرد الصالح العامل على خيره فيكون انسانا مع انسان لاحيوانا ضاريا مع انسان , ولهذا يقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلا يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَسْخَبْ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ) (1) .

_________

(1) - مسلم في صحيحه حديث رقم (1944) .

.


أعتذر عن الإطالة ولكنني وجدت درراً لا أريد أن أفوِّتها على القاريء الكريم.

.

.





ثالثاً: المفاجأة لأندرو حبيب وأمثاله أن من غايات الصوم في المسيحية هو "إحساس الصائم بألم الجوع الذي يُعانيه الفقراء"!!


جاء في كتاب

الرد على برنامج "صوماً مقبولاً" للمدعو أندرو حبيب - الرد على الحلقة الثالثة بعنوان "بنحس بالفقراء"


الرد على برنامج "صوماً مقبولاً" للمدعو أندرو حبيب - الرد على الحلقة الثالثة بعنوان "بنحس بالفقراء"













.

.



وجاء في مقال بعنوان "الأصوام الفرضية والأصوام الإختيارية في قوانين كنيسة المشرق" للدكتور القس/ افريم الخوري فيليبوس

الرد على برنامج "صوماً مقبولاً" للمدعو أندرو حبيب - الرد على الحلقة الثالثة بعنوان "بنحس بالفقراء"











.

.





وجاء في مقال بعنوان "الصوم عند آباء الكنيسة وفي التراث العربي المسيحي" للدكتور/ جريس سعد خوري مدير مركز اللقاء للدراسات الدينية والتراثية في الأرض المقدسة

الرد على برنامج "صوماً مقبولاً" للمدعو أندرو حبيب - الرد على الحلقة الثالثة بعنوان "بنحس بالفقراء"





.


                   وجاء في كتاب

الرد على برنامج "صوماً مقبولاً" للمدعو أندرو حبيب - الرد على الحلقة الثالثة بعنوان "بنحس بالفقراء"

الرد على برنامج "صوماً مقبولاً" للمدعو أندرو حبيب - الرد على الحلقة الثالثة بعنوان "بنحس بالفقراء"











.


هل رأيت عزيزي القاريء كمية الجهل والحقد في كلام المدعو أندرو حبيب!


إلى متى سنظل نعلمكم دينكم أيها الحمقى! ألا تستحون!


شرَّفت ونوَّرت يا أندرو.


يتبع مع الحلقة الرابعة بإذن الله

تعليقات

التنقل السريع