بسم الله الرحمن الرحيم
الرد على برنامج "صوماً مقبولاً" للمدعو أندرو حبيب
الرد على الحلقة الخامسة بعنوان "ياللا نصلي"
.
كالعادة يتكلم أندرو حبيب على أخطاء بعض الصائمين في رمضان وكأن دينهم هو الذي أمرهم بهذه المخالفات!، سبحان خالق العقول والأفهام!!
من البديهي والمنطقي أن تؤخذ تعاليم كل دين من خلال مصادره المعتمدة والمقبولة لدى أتباعها، وليس من خلال أفعال بعض معتنقيها، فمثلاً إذا وجدنا رجل دين مسيحي يزني، هل ذلك الفعل الفردي دليلاً على أن المسيحية تبيح الزنى والدعارة؟!... طبعا لا، بل لابد أن أأتي بدليل من مصدر معتمد يثبت صحة كلامي. [راجع حادثة زنى القس برسوم المحرقي الذي زنى بخمسة آلاف سيدة مسيحية!].
وبالطبع كلامي هذا لا يفهمه أندرو حبيب وأمثاله من المدلسين والكذبة، ولكننا منصفون لا نحتاج إلى التدليس والكذب وتزييف الحقائق لإثبات صحة ديننا وفساد الأديان الأخرى.
ونحن بفضل الله عندما نتكلم في دينهم نأتي بالأدلة والبراهين القوية من مصادرهم المعتمدة، ولسنا مثلهم نعتبر أفعال معتنقي المسيحية الخاطئة كأنها هي التي أمرتهم بذلك... دا إفلاس وقلة حيلة!!
فكل ما يقوله أندرو حبيب في حلقات برنامجه هي أفعال وعادات خاطئة يقوم بها بعض المسلمين في رمضان -ولا حول ولا قوة إلا بالله- ولم يذكر دليل واحد من مصدر إسلامي معتمد، بل اعتمد في أسلوبه على السخرية والتريقة وعرض مقاطع ساخرة من أفلام، هل هذا يعد حوار يا أندرو؟! هل هذا ما علمه لك دينك الذي تدعون أنه دين المحبة!!
اطمئن أيها الإمعة، فالمسلم لا يكل ولا يتعب، بس استرجل ورد على كلامي!
يتحفنا هذا المعتوه في هذه الحلقة أن المسلم بيجيله حالة غريبة عند دخول شهر رمضان، وأنه يتخذ بعض القرارات مثل التزامه في الصلاة، ويسخر من إمتلاء المساجد بالمصلين في أول رمضان وبعدها أعداد المصلين تقل، ويسأل ساخراً: هل الله لا يقبل صلاتك يا مسلم إلا في رمضان فقط!، ويقول أن الصلاة حوار وعلاقة بينك وبين ربنا... ثم يقول بعدها كلمة حق يُراد بها باطل، يقول: لو انت فعلاً بتحب ربنا مش هتصلي في وقت معين!
ثم يذكر بعدها قول يسوع بكل ثقة واعتزاز: متى صليتم...(يقصد الصلاة الربانية).
.
وللرد على هذا الحاقد سنتكلم في عدة نقاط بإذن الله
أولاً: روحانيات رمضان.
ثانياً: أحوال المسلمين مع دخول رمضان.
ثالثاً: عدم الصلاة إلا في رمضان.
رابعاً: قرارات ووقفات في رمضان.
خامساً: الصوم المقبول عند الله، وبيان صيام تارك الصلاة.
سابعاً: وجوب الصلاة والمواظبة عليها في المسيحية.
ثامناً: هدية لأندرو حبيب وأمثاله... بيان تحريف نص الصلاة الربانية، ثم الإضافة على الصلاة الربانية (المحرَّفة) في القداسات للتأكيد على شركهم بالله عز وجل!
.
أولاً: روحانيات رمضان.
جاء في كتاب
للإستزادة راجع أيضاً كتاب: أثر الصوم في تربية شخصية المسلم، رسالة ماجستير، إعداد على مصلح المطرفي [الصوم والتربية الروحية ص40].
.
ثانياً: أحوال المسلمين مع دخول رمضان.
جاء في كتاب
للإستزادة راجع كتاب: أنوار البيان في أحكام الصيام، تأليف حمد بن إبراهيم العثمان [من ص7 إلى ص18].
.
ثالثاً: عدم الصلاة إلا في رمضان.
يقول السائل: نرى كثيراً من الناس يقبلون على عبادة الله في شهر رمضان فيصلون ويصومون ويرتادون المساجد فإذا انتهى شهر رمضان انقطعوا عن عبادتهم فما تقولون في هؤلاء؟
الجواب: لاشك أن إقبال الناس على الصلاة والصيام وقراءة القرآن وارتياد المساجد في رمضان يشير الى جوانب ايجابية في حياة الناس والى تعظيمهم لشهر رمضان ولكنه يشير في الوقت ذاته الى خلل في حقيقة تصور هؤلاء الناس لعبادة الله سبحانه وتعالى فالمفهوم الحقيقي لعبادة الله يتسم بطابع الاستمرارية وعدم الانقطاع فعبادة الله ينبغي أن تكون مستمرة ومتصلة طوال الوقت وعلى مدار الأيام وعبادة الله سبحانه وتعالى ليست موسمية في رمضان فقط وإنما في كل شهور العام فرب رمضان هو رب شوال وشعبان والله سبحانه يقول: (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) أي استمر على عبادة الله حتى يأتيك الموت.
ونقول لهؤلاء الناس الذين يتقربون لله تعالى في رمضان أن عليهم أن يعتبروا قدوم شهر رمضان فرصة عظيمة لتجديد التوبة الصادقة والبدء بحياة جديدة في ظل الإيمان والالتزام بمنهج الرحمن وعليهم أن يجعلوا إقبالهم على الله في رمضان فاتحة خير للاستمرار على طريق الخير والرشاد ونوصيهم بأن يستمروا في هذا الطريق ونحذرهم من النكوص على أعقابهم بعد نهاية رمضان فإن فعلوا ذلك فقد ساروا في طريق الخذلان والعياذ بالله.
وجاء في «دروس للشيخ محمد حسان» (30/ 9):
وقفة أخيرة: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد: أيها الأحباب! يقول سبحانه: {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً * فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ} [مريم:83 - 84] لا يضيق صدرك بهم يا رسول الله، ولا تستعجل لهم العذاب {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ} [الزخرف:83] واستمعوا معي إلى هذه الآية التي تحتاج منا إلى خطبة كاملة قال الله سبحانه: {إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً} [مريم:84] انظروا إلى هذه الدقة البالغة والحساب المحسوب الدقيق {إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً} [مريم:84] إن الأعمال محسوبة عليهم، بل إن الأنفاس عليهم كما قال ابن عباس عليه رضوان الله، إنما نعد عليهم ذنوبهم، وويل لمن يعد الله عليه ذنوبه، فإن الواحد منا إذا أحس بأن رئيسه في العمل في هذه الأرض يتابع عمله ويتتبع أخطاءه يعيش في قلق وحسبان، فما بالكم بالواحد الديان.
يا من تراقبون رؤساءكم في الأعمال! يا من تخافون من مديريكم في الأعمال وتنسون رب السماوات والأرض! لا تراقبونه في قولٍ ولا في عمل، أحللتم لأنفسكم الغيبة والنميمة والمعاصي، خفتم الناس ولم تخافوا الله، هبتم الناس ولم تهابوا الله.
يا من تسوفون في التوبة! وترجئونها اعلموا أن الأنفاس معدودة: {إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً} [مريم:84] إن الأنفاس معدودة ومحسوبة، وفجأة سترون أنفسكم بين يدي الله جل وعلا الذي عد وحسب عليكم كل شيء: {إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً} [مريم:84].
يا من أكلتم الرشاوي والحرام! يا من ضيعتم الصلاة! يا رواد الفجر في رمضان! أين أنتم؟! أين أنتم يا من ملأتم المساجد في رمضان؟! يا من كنتم تعبدون رمضان! أما رمضان فقد مضى فرب رمضان حي لا يموت، فهل أنتم من عباد رمضان؟ أين أنتم من عبادة الحي الذي لا يموت؟ أين رواد الفجر في رمضان؟ أين رواد المساجد في رمضان؟ أين من كانوا يحرصون على الصلاة في رمضان؟ أين هم؟ أيها المغرور! يا من جئت لتحارب اللحى! يا من لا تجرؤ أن تناقش وزيراً أو أميراً، وجئت لتناقش أمر الله ولتحتج على أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم! هل تجرؤ على أن تناقش وزيراً أو تناقش أميراً لتقول له: لم أصنع ذلك؟ ولماذا أفعل ذلك؟ جئت لتحتج على أمر الله ولتناقش أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أيها المغرور! يا من غرك منصبك! ويا من خدعك الكرسي الذي جلست عليه! اتق الله جل وعلا، لو أن الكرسي دام لغيرك ما وصل إليك، والله الذي لا إله غيره! لن نتوانى ولن نتورع عن أن نقف بالمرصاد لكل من يحارب دين الله ولكل من يعتدي على شرع رسول الله مهما كانت النتائج؛ لأن رزقنا وأرواحنا بيد الله، لأن الضار والنافع هو الله، فحذار من حرب الله جل وعلا، احذروا من حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً} [مريم:84] إن الأنفاس معدودة ومحسوبة، وفجأة سترى نفسك بين يدي الله جل وعلا.
واستمعوا معي بقلوبكم أيها الأحباب الأطهار الموحدون، استمعوا إلى حياتكم لخصها لنا سيدنا زين العابدين علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم جميعاً، لخص لنا سيدنا علي الحياة تلخيصاً بارعاً مرعباً مذهلاً، حيث قال عليه رضوان الله ورحمة الله عز وجل، وأسأل الله تبارك وتعال أن يجزيه عن هذا الكلام خير الجزاء، فإنها بلاغةٌ لا تتوفر لأصحاب رسائل الدكتوراة والماجستير، ولا لأصحاب أدب الحارات والبارات، ماذا قال سيدنا علي عليه رضوان الله ورحمة الله عز وجل قال:
أنا الذي أغلق الأبواب مجتهداً على المعاصي وعين الله تنظرني
تمر ساعات أيامي بلا ندم ولا بكاء ولا خوف ولا حزنِ
ولي بقايا ذنوب لست أعلمها الله يعلمها في السر والعلنِ
ما أحلم الله عني حيث أمهلني وقد تماديت في ذنبي ويسترني
كأنني بين تلك الأهل منطرحاً على الفراش وأيديهم تقلبني
وقد أتوا بطبيب كي يعالجني ولم أر الطبيب هذا اليوم ينفعني
واشتد نزعي وصار الموت يجذبها من كل عرق بلا رفق ولا هون
كأنني وحولي من ينوح ومن يبكي علي وينعاني ويندبني
وقام من كان أحب الناس في عجل نحو المغسل يأتيني يغسلني
فجاءني رجل منهم فجردني من الثياب وأعراني وأفردني
وأودعوني على الألواح منطرحاً وصار فوقي خرير الماء ينظفني
وأسكب الماء من فوقي وغسلني غسلاً ثلاثاً ونادى القوم بالكفن
فحملوني على الأكتاف أربعةٌ من الرجال وخلفي من يشيعني
وقدموني إلى المحراب وانصرفوا خلف الإمام فصلى ثم ودعني
صلوا عليَّ صلاة لا ركوع لها ولا سجود لعل الله يرحمني
وأخرجوني من الدنيا فوا أسفا على رحيلٍ بلا زاد يبلغني
وأنزلوني إلى قبري على مهلٍ وقدموا واحداً منهم يلحدني
وكشف الثوب عن وجهي لينظرني فأسكب الدمع من عينيه أغرقني
وقال هلوا عليه الترب واغتنموا حسن الثواب من الرحمن ذي المنن
من منكر ونكير ما أقول لهم قد هالني أمرهم جداً فأفزعني
وأقعداني وجدا في مسائلتي مالي سواك إلهي من يخلصني
تقاسم الأهل مالي بعدما انصرفوا وصار وزري على ظهري فأثقلني
فلا تغرنك الدنيا وزينتها وانظر إلى فعلها في الأهل والوطنِ
يا نفس كفي عن العصيان واكتسبي فعلاً جميلاً لعل الله يرحمني
يا نفس ويحك توبي واعملي حسناً عسى تجازين بعد الموت بالحسن
وامنن عليَّ بعفو منك يا أملي فإنك الواحد الرحمن ذو المنن
أيها اللاهي! أيها الساهي! أيها الغافل! إلى متى تبعد عن طريق ربك؟! إلى متى تحارب مولاك؟! إلى متى تتجرأ على شرع رسولك ومصطفاك؟!
دع عنك ما قد فات في زمن الصبا واذكر ذنوبك وابكها يا مذنب
لم ينسه الملكان حين نسيته بل أثبتوه وأنت لاهٍ تلعب
والروح منك وديعةٌ أُودعتها ستردها بالرغم منك وتسلب
وغرور دنياك التي تسعى لها دار حقيقتها متاع يذهب
فالليل فاعلم والنهار كلاهما أنفاسنا فيها تعد وتحسب
اللهم لا تخزنا يوم العرض عليك، اللهم أحسن وقوفنا بين يديك، اللهم اختم لنا بالتوحيد والإيمان.
.
وجاء ايضاً في «دروس للشيخ محمد حسان» (140/ 2):
داء الإعراض والفتور
بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح للأمة، فكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فاللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته ورسولاً عن دعوته ورسالته، وصل اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد: فحياكم الله جميعاً أيها الآباء الفضلاء! وأيها الإخوة الأحباب الأعزاء! وطبتم جميعاً وطاب ممشاكم، وتبوأتم من الجنة منزلاً، وأسأل العظيم جل وعلا الذي جمعني وإياكم في هذا البيت الطيب المبارك على طاعته، أن يجمعني وإياكم في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى في جنته ودار كرامته، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أحبتي في الله! (المداومة على العمل الصالح شعار المؤمنين) هذا هو عنوان لقائنا مع حضراتكم في هذا اليوم الكريم المبارك في أول جمعة بعد شهر رمضان، وكعادتنا سوف ينتظم حديثنا مع حضراتكم تحت هذا العنوان في العناصر التالية: أولاً: إعراض وفتور.
ثانياً: ثمار زكية.
ثالثاً: أسباب معينة.
رابعاً: مُثل عليا.
وأخيراً: احذر الموت.
فأعرني قلبك وسمعك أيها الحبيب! فإن هذا الموضوع بعد رمضان من الأهمية بمكان، والله أسأل أن يجعلني وإياكم جميعاً ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب.
أولاً: إعراض وفتور.
أيها الأحبة الكرام! هاهي الساعات تمر، والأيام تجرى وراءها، وانتهى شهر رمضان، ربح فيه من ربح، وخسر فيه من خسر، وقُبل فيه من قُبل، وطُرد فيه من طُرد، فياليت شعري من المقبول منا فنهنئه ومن المطرود منا فنعزيه؟! فيا عين جودي بالدمع من أسف على فراق ليال ذات أنوار على ليال لشهر الصوم ما جُعلت إلا لتمحيص آثام وأوزار ما كان أحسننا والشمل مجتمع منا المصلي ومنا القانت القاري فابكوا على ما مضى في الشهر واغتنموا ما قد بقى إخوتي من فضل أعمار أيها الأحبة! لقد رأينا المساجد معطرة بأنفاس الصائمين في رمضان، ورأينا المساجد في رمضان مزدحمة بصفوف المصلين، بل وسمعنا للمساجد في رمضان دوياً بالذكر وكلام رب العالمين، بل وأسعد قلوبنا في رمضان تنافس أهل البر من المحسنين.
ولكن مع أول فجر من شهر شوال يتألم قلبك، وتبكي عينك، ويتحسر فؤادك، وتتمزق نفسك حسرات! أين المؤمنون؟! أين المصلون في رمضان؟! أين القائمون لله في رمضان؟! أين الذاكرون الله كثيراً والذاكرات؟! سترى المساجد خاوية مع أول فجر من شهر شوال تشكو حالها إلى الكبير المتعال!! ما الذي حدث؟ ترى إعراضاً وفتوراً يؤلم القلب الأبي التقي النقي.
والفتور في اللغة: هو الانقطاع بعد الاستمرار، وهو التكاسل والتباطؤ والتراخي؛ كما قال ابن منظور في لسان العرب: فتر يفتر فتوراً.
أي: سكن بعد حدة، ولان بعد شدة.
فإنك ترى يا عبد الله فتوراً ملفتاً لجميع الأنظار مع انقضاء آخر ليلة من ليالي شهر رمضان، بل ولست مبالغاً -ورب الكعبة- إذا قلت: إن هذا الفتور قد يتطرق ويزيد إلى درجة الإعراض، لا عن نافلة من النوافل، بل عن فريضة افترضها الله عز جل على عباده على الدوام، لا في المناسبات ومواسم الطاعات، كأن يعرض كثير من المسلمين عن صلاة الفريضة في غير رمضان.
يا عبد الله! هل كنت تعبد في رمضان رباً، وتعبد في بقية الشهور رباً آخر؟! إن رب رمضان هو رب بقية الشهور والأيام هو الإله الواحد الحق الذي لا ند له، ولا ضد له، ولا شريك له، ولا والد له، ولا ولد له.
(قل هو الله أحد) أحد في أسمائه أحد في صفاته أحد في أفعاله.
فيا من صليت لله في رمضان وضيعت الصلاة في غير رمضان احذر واعلم يقيناً بأن هذه الصفة من علامات النفاق، أسأل الله أن يملأ قلبي وقلبك إيماناً، إنه ولي ذلك ومولاه.
إن المداومة على العمل الصالح شعار المؤمنين، بل ومن أحب القربات إلى الله رب العالمين؛ كما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله سلم قال: (أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل)، بل وفي صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها كذلك قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملاً أثبته) أي: داوم وواظب عليه، فكان إذا فاته شيء من صلاة الليل لنوم أو مرض صلاه في النهار، وإذا فاته شيء من عبادة الليل قضاها في النهار ما بين الفجر والظهر، فيصلي في النهار مثلاً اثنتي عشرة ركعة.
.
وجاء في «دروس للشيخ سعيد بن مسفر» (21/ 10):
رمضان شهر التدرب على الأعمال الصالحة
الإيحاء الخامس وهو مهم جداً: وهو أن شهر رمضان بمنزلة الدورة التدريبية التي يعقدها الله للمؤمنين شهراً في كل عام، للتدرب على العمل الصالح، يتدرب المسلم فيها على القيام والصيام، والإنفاق والبذل والعطاء، وغض البصر، وصيانة السمع، وكف اللسان، وحفظ الفرج، المهم من أول رمضان إلى آخره وهو متعبد لله، سائر في طريق الله في الإيجابيات وهي الطاعات ويبتعد عن السلبيات وهي المعاصي، حسناً وبعد أن تنتهي هذه الدورة ماذا يراد منك أيها المسلم؟! يراد منك أن تستمر على نفس الأداء، تستمر على تدريباتك التي أخذتها في رمضان، فكنت تصوم في رمضان فصم ستاً من شوال، كنت تقوم في التراويح فقم جزءاً من الليل في بيتك، كنت تغض بصرك في رمضان فغض بصرك في شوال، كنت قد هداك الله من المخدرات والدخان والمفترات والخبائث فاتركها في شوال، عرفت المساجد في رمضان، يجب أن تستمر على صلاتك في المساجد في شوال، وكنت تنفق من مالك في رمضان يجب -أيضاً- أن تنفق من مالك في شوال، فقد تدربت على الأعمال الصالحة.
لكن الذي يؤلم القلب أن كثيراً من المسلمين إذا انتهى رمضان انتهت علاقتهم بالعمل الصالح، إذا انتهت آخر ليلة من رمضان تراهم يودعون فيها المساجد، وترون في ليلة العيد، في صلاة الفجر من يوم العيد، كم يصلي في المسجد الذي فيه عشرة صفوف؟ ترون فيه صفاً واحداً، أما الآخرون انتهى رمضان وانتهت العبادة، لا إله إلا الله! إن أصحاب العبادات الموسمية هؤلاء لا تنفعهم يوم القيامة؛ لأن الله عزوجل يطلب منا أن نعبده حتى نلقاه، يقول الله: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99] أي: الموت، وليس حتى يأتي شوال، والذي يعبد الله عزوجل يجب أن يعبده في كل وقت وحين، والذي يعبد رمضان، فرمضان شهر لا ينفع ولا يضر، وافرض -مثلاً- أنك عبدت الله في رمضان ثم تركت في شوال، ومت في شوال ماذا ينفعك رمضان؟ العبرة بالخواتيم -اللهم اجعل خير أعمالنا خواتمها.
فينبغي للمسلم أن يكون هكذا، أنك إذا صليت العشاء ثم انتقض وضوءك قبل السلام، فما حكم صلاتك؟ باطلة، وإذا صمت نهار رمضان وأفطرت قبل الغروب بدقيقة واحدة، فما حكم صيامك؟ باطل، وكذلك إذا عبدت الله ثم تركت قبل الموت، لا ينفع شيء من عمرك الأول.
فلا بد -أيها الإخوة- من الاستمرار في العمل الصالح، وهذا الإيحاء نعرفه من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان وأتبعه بستٍ من شوال كان كمن صام الدهر كله) وأحد السلف يقول: [بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان] ولا يعني هذا أن يكون الناس في شوال على مقدار العبادة في رمضان، لا.
فرمضان مميز بالصيام الدائم، مميز بالقيام الدائم، مميز بالإنفاق الكثير، لكن المستوى الأدنى في شوال حفظ الفرائض والرواتب في المساجد، المستوى الأدنى في شوال أن تصوم ثلاثة أيام، أو تصوم الست من شوال، المستوى الأدنى أن تتصدق ولو بخمسة ريالات يومياً من جيبك لإخوانك المجاهدين، أو الفقراء والمساكين، المستوى الأدنى أن تكون ذاكراً لله، أما المعاصي فالمستوى فيها أنك لا تعصِ الله لا في رمضان ولا في شوال، فإن الله يغضب إذا عصي في شوال كما يغضب إذا عصي في رمضان، والله حرم المعصية في كل زمان ومكان، وعلى أي أرض، وتحت أي سماء، يقول الله في الأثر الإلهي: (إني إذا أطعت رضيت، وإذا رضيت باركت، وليس لبركتي نهاية، وإني إذا عصيت غضبت، وإذا غضبت لعنت، ولعنتي تبلغ السابع من الولد).
هذه -أيها الإخوة- خمسة إيحاءات من رمضان: الإيحاء الأول: الطعام وبرنامج الغذاء الإسلامي.
الإيحاء الثاني: الغضب والتوتر.
الإيحاء الثالث: السهر.
الإيحاء الرابع: قراءة القرآن والدعوة إلى الله.
الإيحاء الخامس: الاستمرار والثبات بعد رمضان على الإيمان والعمل الصالح حتى يلقى العبد ربه.
فإذا أخذنا هذه المعاني من رمضان، وفهمناها على المراد الشرعي منه، أما إذا فهمنا أن رمضان هو شهر الأكل في الليل، والسهر والنوم في النهار، فلم نعرف رمضان وستمر علينا جميع الرمضانات، ونخرج منها مثلما دخلنا فيها، ولهذا يقول أحد السلف: علامة قبول رمضان أن تكون في شوال أحسن منك حالاً قبل رمضان.
أما الذي تنظر إليه وهو في شعبان وشوال سواء، معنى ذلك أنه لم يقبل منه رمضان، ما علامة قبول رمضان ونجاحك في رمضان؟ أن تكون في شوال إنساناً جديداً، تختلف عما كنت عليه في شعبان، أما إذا كنت في شعبان تغني وفي شوال تغني، في شعبان يزني، وفي شوال قد يزني، في شعبان يرابي وفي شوال -أيضاً- يرابي، في شعبان لا يصلي في المسجد، وفي شوال ترك الصلاة في المسجد، إذاً ما قيمة رمضان عند هذا؟ رمضان دخل وخرج وما زدت فيه إلا أن أكلت وسهرت ونمت ولعبت، وانتهى رمضان دون أن تحصل منه على المعاني التي شرعها الله، والتي قال الله فيها: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183].
رابعاً: قرارات ووقفات في رمضان.
للإستزادة راجع كتاب: أنوار البيان في أحكام الصبام، تأليف حمد بن إبراهيم العثمان [من ص244 إلى ص256].. وكتاب: 40 درساً لمن أدرك رمضان، تأليف الدكتور عبدالملك قاسم [من ص157 إلى ص163].
.
خامساً: الصوم المقبول عند الله، وبيان صيام تارك الصلاة.
سادساً: مناجاة العبد لربه في صلاته.
سابعاً: وجوب الصلاة والمواظبة عليها في المسيحية.
يقول نيافة الحبر الأنبا متاؤس الأسقف العام في كتابه
ثامناً: هدية لأندرو حبيب وأمثاله... بيان تحريف نص الصلاة الربانية، ثم الإضافة على الصلاة الربانية (المحرَّفة) في القداسات للتأكيد على شركهم بالله عز وجل!
رأفة بحالك أيها التافه لن أتكلم عن المخطوطات ولا عن النسخ النقدية، ولن أنقل كلام علماء النقد النصي أمثال بروس متزجر وكورت ألاند وبارت إيرمان وغيرهما، فهناك كوارث اعترفوا بها عن تحريف الصلاة الربانية بصفة خاصة وتحريف كتابك المقدس بصفة عامة... ولكن تأكد أني بفضل الله في جعبتي الكثير والكثير.
للمتابع الكريم أن يطلب مراجع أكثر توسعاً من خلال التعليقات، وأنا تحت أمره طبعاً.
تعليقات
إرسال تعليق